الاثنين، 16 سبتمبر 2013

التعليم الإلكتروني المتكيف: استجابة لاحتياجات الطلبة المختلفة

تختلف مستويات الطلبة في الصف الواحد الذين يدرسون ذات المنهج عن طريق ذات المعلّم, ويرجع ذلك في كثير من الأحيان إلى اختلاف طرق تلقيهم للمعلومات. فما تبدو معلومة في غاية التعقيد لطالب ما يطالب المعلم بإعادة شرحها مرارا؛ تكون مجرد تكرار ممل لطالب آخر اكتمل استيعابه لها مسبقا. هذا الاختلاف يجعل مهمة المعلّم أصعب حتى في وجود الكفائة والخبرة. تتعاظم هذه المشكلة خاصة مع التطور التقني وثورة المعلومات التي أضافت للمعرفة البشرية الجمعية المزيد والمزيد من المعلومات بانتظار أن تستوعبها عقولنا البشرية التي لم تواجه هذا الكم الهائل منها من قبل. فهل يمكن لنا تسخير ذات التطورات التقنية العلمية لاكتشاف طرق أسرع واكثر كفائة للتعليم؟
 

نتيجة لهذه الحاجات المحلة، ظهر فرع جديد من علوم الحاسبات أصبح مجالا للعديد من الأبحاث التي تجري في أمريكا وأوروبا بشكل خاص. أطلق على هذا الفرع "التعليم المتكيف". تعرفّنا على هذا المجال الدكتورة مرام عبد الرحمن مكَّاوي، باحثة في مجال التعليم الإلكتروني المتكيف، و حاصلة على الدكتوراة في علوم الحاسبات من جامعة نوتنجهام-انجلترا. تشاركنا برأيها بداية حول التعليم الإلكتروني حيث تعتقد أن السبب في ظهوره بشكل خاص كان استجابة للتغيرات الاجتماعية والثقافية في عصر العولمة. فالحواجز التي أزالتها شبكة الإنترنت، فتحت للمرء آفاقاً جديدة ومكنته من الوصول إلى مصادر مختلفة للمعرفة وهو جالس في بيته أو مكتبه. وأصبح بإمكانه إلى حد كبير التغلب على العوائق المحلية، مثل نقص المصادر العلمية، أو قلة المتاح منها للجمهور، أو صعوبة التنقل، أو عدم وجود عدد كافٍ من المقاعد الجامعية. كما أنه بالنسبة للعاملين بدوام كامل، أعطتهم الفرصة لكي يواصلوا تطوير قدراتهم وهم على رأس العمل، وهو أمر ضروري في عصر التطورات المتلاحقة. إذ إن كثيراً مما تعلمناه في المدرسة والجامعة، سيصبح منتهي الصلاحية وبحاجة إلى تجديد في فترة قصيرة، خاصة في مجالات بعينها مثل تقنية المعلومات .

التعليم الإلكتروني وحده لايحل المشكلة
 بعد ظهور التعليم الإلكتروني المتاح والمرن وكتطور طبيعي، برزت الحاجة لوجود أساليب تعليمية تتوافق مع احتياجات الفرد بشكل علمي مدروس. ومن هنا ظهر فرع التعليم الإلكتروني "المتكيف". تشرح لنا د. مرام التعليم الإلكتروني المتكيف أو الـ Adaptive Educational Hypermedia)) فتقول: هو نوع من أنواع التعليم الإلكتروني الذي يتم من خلال اتصال الطالب والمعلم ببعضهما وبالمادة العلمية عبر شبكة الإنترنت، على أن يتم تكييف هذه العملية التعليمية بحيث تكون مناسبة للطالبة ومصنعة خصيصاً له.  فالطلبة مختلفون في مهاراتهم، ودرجات استيعابهم، وطرق تعلمهم، كما أن لديهم احتياجات متنوعة، ومعاملتهم وكأنهم نسخٌ مكررة من بعضهم البعض قد يؤدي إلى فشل العملية التعليمية، أو في أحسن الأحوال فإن التعليم من خلال الإنترنت وحده لن يكون مختلفاً عن نظيره في الصف. فهو يفتقر للقيمة المضافة التي تبرر استخدامها وتحمل تكاليفها.
الطلبة يختلفون في مهاراتهم، ودرجات استيعابهم، وطرق تعلمهم
لكل طالب، قالب
تشرح د. مرام عن طريقة تكييف التعليم الإلكتروني حيث يقوم النظام بعملية صنع قالب معين لكل طالب  (User Modeling)، بحيث يحوي هذا القالب أو الملف معلومات بعينها عن الطالب، وهي عملية يمكن أن تجرى بشكل مباشر بحيث يتم سؤال الطالب عن خصائص معينة يقوم بإدخالها في النظام عن طريق تعبئة استبيان على سبيل المثال، أو غير مباشرة عن طريق الاستفادة من المعلومات التي يخزنها النظام عنه أثناء عمله عليه .وحين يختار هذا الطالب مادة ما ليدرسها عبر هذا النظام، فإنه قبل أن يستجيب النظام بإعطاء الطالب المادة العلمية، يقوم بالاطلاع على ملف الطالب، وآخر المستجدات والتطورات في مستواه التعليمي، وطريقته المفضلة في التعلم، وبعدها يقوم بتفصيل المحتوى أو الوصلات بما يتناسب واحتياجات هذا الطالب. يتم بعد ذلك تمييز المعلومات على ما يريده المعلم أو تتطلبه المادة لتصل بشكل أفضل إلى ذهن المتلقي. فهناك من يختار أن يكيف المادة على حسب مستوى الطالب مثلاً (مبتديء، متوسط، متقدم) أو ما يعرف بالمستوى المعرفي (level of knowledge). فيما يعتمد آخرون على نظريات عريقة في طرق التدريس وأساليب التعلم  (Learning Styles). فحسب هذه النظريات هناك متعلم بصري (يتعلم بالصور والرسومات) وآخر لغوي (يتعلم أكثر بقراءة النصوص (visual-verbal)، أو متعلم عالمي بحيث يريد أن يأخذ فكرة عامة عن الموضوع كله ثم يبدأ في دراسة التفاصيل. أو آخر يفضل أن ينتقل من الدرس الاول إلى الثاني بالتسلسل أو ما يعرف بـ (global-sequential)، وهكذا.

يعتمد صنع القالب على الطريقة الفريدة لتعلم كل طالب
مايزال المجال مفتوحا للأبحاث
تخبرنا د. مرام عن نتائج التجارب والأبحاث حول التعليم المتكيف فتقول أن الكثير من الجامعات في الدول المتقدمة -أوربا وأمريكا الشمالية واليابان تحديداً- والمهتمة بمجال التعليم الإلكتروني، تعمل على تطوير نظمها الخاصة التي تستخدمها في إجراء هذه التجارب التعليمية الجديدة داخل أسوار جامعاتها لتدريس مقرراتها إما لطلبتها المنتظمين أو المنتسبين. ينشرهؤلاء الباحثون نتائج دراساتهم بشكل دوري في المجلات العلمية المتخصصة. ينجح بعضها ربما بالفعل في تحويل هذه الأنظمة إلى منتجات تجارية تباع لغيرهم من المؤسسات التعليمية، لكن يظل هذا في نطاق ضيق مقارنة بما هو ممكن ومأمول، ودون مستوى التنافس مع الأنظمة الإلكترونية التقليدية (غير المتكيفة) حيث لازالت هناك بعض العوائق التقنية والتعليمية التي تؤخر من الاستفادة منه بشكل كامل. هذا بالإضافة إلى وجود معارضين داخل المؤسسات التعليمية لهذا النوع من التعليم خشية أن يمنح امتيازات لطالب دون آخر، أو لاقتناعهم بأن الطالب عليه أن يتكيف ليتعلم وليس العكس، وتظل الساحة العلمية مفتوحة للنقاشات المختلفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق