الاثنين، 28 أبريل 2014

المرايا: وعاء الأرواح، وميزة الكائنات الأذكى

- تعد الأساطير الرومانية المرآة المكسورة سببا في سبع سنوات من الحظ التعيس
- كان يُعتقد قديما أن المرآة تحوي روح الناظر إليها
- المرآة جعلت رسم البورتريهات الذاتية أمرا ممكنا في العصور القديمة

برغم أنها أصبحت في وقتنا الحاضر من المسلّمات. إلا أن المرآة ومنذ اختراعها قبل آلاف السنين أثارت اهتمام البشرية وأصبحت محور العديد من الأساطير والمخاوف، و وجدت طريقها إلى الكثير من الإبداعات الفنية. فهل في علاقة الانسان بالمرآة انعكاس لتعظيم الانسان لذاته مع تخوفه من مواجهة حقيقة وجوده؟ وهل هو الكائن الوحيد الذي يُدرك انعكاسه على الجانب الآخر من الزجاج المطليّ؟

تُخبر عن مجهولِه مرآته
المرايا بمعناها الواسع هي أي سطح له القابلية على عكس الضوء بطريقة تحافظ على الكثير من صفاته الأصلية قبيل ملامسة السطح العاكس. أكثر المرايا شيوعاً هي المرآة المسطحة وقد تستخدم المرايا المنحنية لتكوين صورة مكبّرة أو مصغّرة أو لتركيز الضوء أو لتشتيت الصورة المعكوسة. في معجم المعاني الجامع تأتي كلمة مرآة من جذر "ر ء ى". جمعها : مَرَاءٍ ، و مَرَايا وتعني مجازا انعكاس الشيء وظاهره. وفيها المثل الذي يقول " تُخْبِر عن مجهوله مرآته"أي أن  ظاهره يدلُ على باطنه. وكما يُقال أن الصديق "مرآة" لصديقه، أي يَصْدقه ويصارحه بعيوبه وحسناته. وفي أنظمة الحواسيب فإن مصطلح "mirror" يعني نسخة مطابقة للأصل لمجموعة من البيانات.
امرأة جالسة تحمل مرآة. اليونان القديمة. 470-460 سنة قبل الميلاد

مرايا النحاس للأثرياء فقط !
أقدم المرايات المعروفة كانت عبارة عن بِرك الماء الساكن. أو الماء المتجمع في أوانٍ خاصة. أقدم المرايا المصنّعة كانت عبارة قطع مصقولة من حجر الزجاج البركاني المعروف باسم السبج "Obsidian" حيث وجدت قطع من أحجار السبج التي استخدمت كعواكس في بلاد الأناضول (تركيا حاليا) ويقدر تاريخ صنعها بنحو 6000 سنة قبل الميلاد. شاع أيضا في القرون اللاحقة استخدام المعادن مثل النحاس والبرونز والقصدير والسبائك المختلطة منها التي وجدت في اماكن عدة مثل أمريكا الوسطى وبلاد مابين النهرين (العراق حاليا) و مصر القديمة والصين والهند أيضا. بعض المرايا كانت تُصنع مما يعرف بالمعادن العاكسة " speculum metal" وهي خليط بنسبة ثلثين من النحاس وثلث من القصدير. بسبب صعوبة الحصول على هذه المعادن وصنعها فقد كانت هذه الأنواع من المرايات مملوكة فقط من قِبل الأثرياء في ذلك الزمن.
رجل يلتقط انعكاسه على كرة مصنوعة من حجر السبج المصقول

أَحَبّ انعكاسه حتى الموت
لعل أكثر ما يتبادر إلى الذهن عند ذكرالمرايا و الانعكاسات هي اسطورة نارسيسوس " Narcissus" الذي وقع في غرام انعكاسه حتى لقي حتفه. تذكر الأسطورة الإغريقية أن نارسيسوس كان صيادا وابنا لآلهة النهر كفيسوس"Cephissus" وحورية تدعى ليريوبي"Liriope" وقد وُهِب جمالا أخاذا أسر كل من رآه من ذكور وإناث لكن ذلك لم يزده إلا غرورا واعتدادا بنفسه، فلم يهتم بمحبيه وصدهم جميعا عنه. أدركت صنيعه الآلهة نيميسس" Nemesis" حيث كانت روح الانتقام ضد أولئك الذين يخضعون للغطرسة والغرور. فقامت نيميسس بجذب نارسيسوس لبحيرة ليرى انعكاس صورته ويصيبه ما أصاب محبيه. عندما لحظ نارسيسوس انعكاس صورته وقع في حب نفسه وأصبح متيما في جماله دون أن يدرك أنه كان ينظر إلى صورته. وكان كلما تمتم لنفسه بعبارات الحب رددت صداها حورية تدعى إيكو "Echo" وكانت من محبيه. منذئذ؛ أدرك نارسيسوس أنه وقع في حب انعكاس صورته ودفعه اليأس لقتل نفسه بخنجره حيث سالت دماؤه و ولدت من قطرات دمه زهرة النرجس الأولى. اتخذ عالم النفس سيجموند فرويد قصة نارسيسوس موضوعا لنظريته في التحليل النفسي وصاغ منها مصطلح "النرجسية" دلالة على الأشخاص الذين يعجبون بأنفسهم حد تجاهل الآخرين مايعود بالضرر والفناء عليهم بالنهاية.
نارسيسوس مغرم بجماله تراقبه إيكو، John William Waterhouse

لا انعكاس لِمن لا روح له
غالبا ما يرتبط مفهوم الروح بالمرايا، الأمرالذي ينتج عنه ثروة من الخرافات المحيطة بها منذ أقدم الازمان. فمن عادة البشر اختلاق الكثير من الخرافات حول الأشياء التي لايفهمونها أو يخشونها. على سبيل المثال، فإن كسر مرآة ما يُعتقد بأنه نذير شؤم بموت صاحبها. حيث كان يُعتقد أن المرآة تحوي أو تعكس روح الشخص فانكسارها بالتالي دليل على فناء الروح وفناء صاحبها. تطورت هذه الخرافة مع الوقت وأصبحت تقتصر على أن المرآة المكسورة تتسبب فقط بسبع سنوات من الحظ التعيس. هذا الأمر يرجع للأساطير الرومانية القديمة التي تقول أن الروح تحتاج لسبع سنوات حتى تتجدد. والطريقة الوحيدة لتخطي أو تخفيف شؤم السبع السنوات يكون بدفن القطع المكسورة عميقا في الأرض. كذلك عندما يموت شخص ما، فمن المتعارف عليه في بعض الثقافات وجوب تغطية كل المرايا في منزل الميت حتى لا تُحبس روح الميت فيها. مصاصي الدماء والسحرة لا يفترض بهم أن يروا انعكاسهم في المرآة لأنهم كائنات بلا أرواح كما تصفهم الأساطير.

انعكاسٌ تجريديّ
الرسامون الذين يصورون شخصا يحدق في مرآة غالبا ما يُظهرون انعكاس هذا الشخص. في كثير من الأحيان يكون نوعا من التجريد. ففي معظم الحالات لاينبغي أن تكون زاوية انعكاس الشخص واضحة بوضوح جسمه الأصلي. وبالمثل، ففي الأفلام والتصوير الفوتوغرافي غالبا ما يظهر على الممثل أو الممثلة أنه يحدق مباشرة في نفسه في المرآة، فيما يواجه انعكاسه الكاميرا. في الواقع، فإن الممثل أو الممثلة لا يرى سوى الكاميرا ومشغلها في هذه الحالة ويتم التقاط الانعكاس في لقطة منفصلة. في فن الرسم، شكّلت المرآة العنصر المركزي في بعض من أعظم اللوحات الأوروبية نذكر منها:
·         الفرنسي إدوارد مانيه "Édouard Manet" ولوحته: بار في فولي-برغر" A Bar at the Folies-Bergère"

·         والبلجيكي يان فان آيك " Jan van Eyck" ولوحته: الزوجين أرنولفيني "Arnolfini Portrait" التي تُظهر بشكل بارع انعكاس الأشخاص بشكل واقعي على مرآة تقع في خلفية المشهد.

·         والاسباني بابلو بيكاسو"Pablo Picasso" ولوحته: فتاة أمام مرآة "Girl before a Mirror".

كما كان ليوناردو دافينشي يستخدم المرآة لتساعده في الوصول إلى الواقعية، وذلك بمقارنة الشيء الذي يرسمه بانعكاسه في مرآة قريبة منه. و بشكل خاص، لم يكن الرسامون العظيمون مثل: فريدا كالو، رامبرانت وفان غوخ وغيرهم قادرون على رسم البورتريهات الذاتية بدون الاعتماد بشكل كبير على ملاحظة انعكاساتهم في المرآة.

الشؤم الذي ينظر من الاتجاه الآخر
اعتمدت بعض قصص الافلام بشكل كبير على عنصري المرآة والانعكاس، وبخاصة أفلام الرعب نذكر من أهمها: فيلم Mirrors  من بطولة Kiefer Sutherland يحكي قصة حارس أمني واكتشافه لمرآة تقتل انعكاساتها أصحابها الأصليين. فيلم الرعب Candyman يتحدث عن اسطورة الشبح التي يظهر في المرآة بعد مناداة اسمه أمامها خمس مرات، قصة الفيلم مشابهة لأسطورة مدنية حول امراة تدعى Bloody Mary، وهي شبح أو مشعوذة برزت في الأساطير الإنجليزية. يقال أنها تظهر في المرآة عند ذكر اسمها ثلاث مرات أو أكثر في غرفة مظلمة وغالبا ماتقتل مستدعيها بطريقة عنيفة. شكلت المرايا عنصرا هاما من تكوين حبكة فيلم Black Swan، حيث ولع الشخصية الرئيسية Nina راقصة البالية بمظهرها الخارجي وهوسها بالكمال في أدائها، مايصيبها بالفصام والهلوسة ويدفعها لاتخاذ قرارات متطرفة.
نينا ونظرة رعب على وجهها عند إدراكها أن انعكاسها الخبيث يحدق بها من خلف المرآة

الدخول إلى مرحلة المرآة
تستطيع مجموعة قليلة جدا من الحيوانات تخطي "اختبار المرآة" بنجاح. الاختبارهو تجربة وُضعت في عام 1970م من قبل عالم النفس غوردون غالوب الابن لتحديد ما إذا كان الحيوان يمتلك القدرة على التعرف على نفسه في المرآة.هذا الاختبار يُستخدم كمؤشر على الوعي الذاتي في الكائنات غير البشرية، كما يحدد علامة الدخول إلى "مرحلة المرآة" من قبل الأطفال في علم النفس التنموي وهي غالبا ما تبدأ عندما يصل الطفل لعمر الثمانية عشر شهرا من نموه. الحيوانات التي تُدرك صورة نفسها في المرآة هي في الغالب من الثدييات وبشكل خاص مايُعرف بـ " القردة العليا" مثل قردة البابون، والشمبانزي، والأورانغوتان، والغوريلات، والدلافين، و الفيلة. الاستثناء الوحيد في هذه القائمة هو لطير العقعق الأوروبي الذي يعد من بين ألمع الطيور و أكثرها ذكاء من جميع الحيوانات.
فيديو: طائر عقعق يزيل "علامة" وضعها الباحثون على عنقه بمساعدة انعكاسه في المرآة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق