التواصل الاجتماعي والتعامل مع المرض.. استفادة من التجارب أم عرضٌ للمآسي؟

ـ تغريدات المرضى عبر مواقع التواصل.. استغاثة أم إفادة للمجتمع؟

ـ عرض التجارب المرضيَّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ساهم في كسر حواجز الصمت لمناقشة حالات مستعصية وأمراض مزمنة كان يُخشى حتى من تسميتها

 

«خرجتُ قبل نصف ساعة من تلك الغرفة السقيمة بعد حقن جسدي بالكيماوي اللئيم لا توجد أوجاع تذكر إلا ارتفاع درجة حرارة الجسم وألم غرز الإبرة المؤلم».

الزمان: 3 نوفمبر 2012 / الساعة 01:15 ظهراً بتوقيت مكَّة المكرَّمة

المكان: تويتر

المغرد: @najla_z38f حِكـــ(طموح)ـــــاية‏

هكذا تحكي نجلاء الفتاة العشرينيَّة الجامعيَّة من المنطقة الشرقيَّة عن بداية خضوعها للكيماوي لمقاومة سرطان الدم الذي أصابها، حيث تشارك تفاصيل رحلة العلاج عبر حسابها على تويتر، لكنَّها لا تغرد وحيدة، إذ تحلّق حولها العديد من المدونين من معارفها وممن لم يعرفها يدعون لها ويسلونها في مصابها عبر وسوم (هاشتاقات) مختلفة وطرق متعددة.

تبرز تجربة نجلاء ممثلة أحد أوجه التواصل الاجتماعي الذي استجدّ في مجتمعاتنا، حيث ساهم في كسر حواجز الصمت لمناقشة حالات مستعصية وأمراض مزمنة كان يُخشى حتى من تسميتها بالاسم، لكن في زمن الفضاء الحرّ يصبح كل شخص هو المُرافع عن قضيته والمتحدث باسم تجربته. فهل يفلح التواصل الاجتماعي في التوعية ضد الأمراض المستعصية أو الإعاقات المزمنة عن طريق التجربة الشخصيَّة؟ هل يؤثر الدعم المجتمعي الافتراضي في نفسيَّة المريض ويجعله أكثر قدرة على مواجهة المصاعب؟ وهل يمكن للتجربة السلبيَّة التي يمرُّ بها الشخص أن تترك أثراً إيجابياً على من حوله؟ نعرض هنا نماذج مختلفة وطرقاً مختلفة أثرت فيها هذه الوسائل في الناس، مصابين ومتفاعلين.
 

نجلاء.. حكاية طموح

قابلتنا نجلاء ببشاشة وتفاؤل قائلة إنَّ صحتها بإذن الله في تحسن. أخبرتنا أنَّ مرضها شُخص قبل نحو شهر، حيث أصابتها، كأي انسان طبيعي، الصدمة والخوف، لكن كان لأسرتها دور في التخفيف عنها رغم الحزن الواضح عليهم. قررت استخدام «تويتر» كمدونة ليومياتها، خاصة مع اقتراب بداية علاجها الكيميائي وشجعها أهلها على ذلك. تلقت نجلاء من متابعيها يد العون والمساندة والدعاء والنصح والارشاد ما ساعدها على تخطي الكثير من الحواجز ودفعها لأخذ أولى جرعة كيماوي بعد التشجيع ودفع عنها الملل وفكرة الانتحار التي راودتها لفترة. تقول نجلاء: «عندما قمت بحلق شعري لظروف العلاج بالكيماوي قام العديد من الشباب بحلق شعورهم على درجة صفر تفاعلاً معي ودعماً لهاشتاقي (تحدي نجلاء)» وكانت نسبة التعليقات السلبيَّة من المتابعين قليلة جداً وغير مؤثرة.

مذكرات لوكيميا

تكتب نجلاء في تويتر في هاشتاق (مذكرات لوكيميا)، عن تعاملها اليومي مع المرض، حيث نرافقها خطوة بخطوة أثناء استعدادها للخضوع لأول مرحلة من العلاج الكيماوي (الكيمو ثيرابي). في 31 أكتوبر كتبت «أتمنى من كل متابعي أن يشدوا على يدي ويحثوني على علاج الكيماوي ويشجعوني إذا أحبوا أن أعيش بينهم, أحتاج عزماً» فسارع متابعوها لدعمها وأنشأوا لها هاشتاق (تحدي نجلاء) يقدمون لها الدعم النفسي والنصيحة والتسلية أحياناً. تكتب لها الدكتورة سامية العمودي الناجية من سرطان الثدي والناشطة المعروفة في مجال التوعية بصحة المرأة فتقول: «لستِ وحدك يا ابنتي وكل شعرة تسقط من الكيماوي هي حسنة تثقل ميزانك وغداً تروين لأبنائك كما تروين الآن بتغريداتك قصة بطلة مناضلة غالية».

ريما.. عقدٌ من الإلهام

تابع محبو ريما نواوي رحلتها مع مواجهة السرطان طوال عشر سنوات بترقب وخوف، حيث أصيبت ريما أو Rex Toma Nawato كما هو لقبها على «تويتر» بسرطان المبيض عام 2002م، واستمر معها المرض قرابة العشر سنوات أكملت خلالها دراستها وتخرجت في الكليَّة الصحيَّة، وعملت بعدها بمستشفى النور بمكَّة المكرَّمة، ثم انتقلت للعمل بمستشفى الملك عبد العزيز كمساعدة لوالدها الطبيب محمد هاشم نواوي. سافرت ريما إلى الصين للعلاج على نفقتها الخاصة وعند عودتها في 8 أغسطس 2011م استقبلها لفيف من أصدقائها ومقربيها بحفاوة. قام بعضهم بتصوير الاستقبال وإنتاج مقطع صغير تم رفعه على الـ«يوتيوب» ليشاهده من لم يحضر من أصدقائها. لم تكلل رحلة العلاج بالنجاح، وعند مراجعتها لمستشفى فودا بعد شهرين، اكتشفوا انتشار السرطان في الرئة اليمنى. ثم توفاها الله بعد اسبوع من رجوعها لمكة في الأول من ديسمبر إثر صعوبة التنفس التي كانت تواجهها بعد انتشار الخلايا السرطانيَّة في رئتيها، وتمت الصلاة عليها في الحرم المكي الشريف في اليوم التالي ودفنت في مقبرة المعلاة.

مسجد في قرغيزيا

تحدثنا إلى وائل يار، طالب بكليَّة الطب، وصديق مقرب من عائلة ريما. يقول وائل: «ريما كانت فتاة مثقفة ومتفائلة، لم تكن تتعامل مع مرضها على أنَّه نهاية حياتها، بل كانت تخطط لمستقبلها وزواجها حيث كان هناك مشروع زواج بعد عودتها من الصين وكانت تخطط معي لإطلاق موقعها الخاص». تفاعُل الناس مع قصة ريما دفع بالبعض منهم إلى القيام بحملة تبرعات غير رسميَّة رغبة ببناء مسجد باسمها حسب ما أخبرنا وائل، لكن هذا الأمر ضايق أهلها كونه غير مُشرف عليه رسمياً، فقام بالتواصل مع الندوة العالميَّة للشباب الإسلامي حول تنظيم العمليَّة وفتح حساب رسمي لها لمن يرغب، فتم الاتفاق على أن يستخدم المال لبناء مسجد في دولة قرغيزيا في بلاد القوقاز. تم تخصيص صفحة على الإنترنت للتبرع وتم تجميع المبلغ المطلوب في خلال عشرة أيام فقط. استمر بناء المسجد طوال العشرة أشهر اللاحقة حتى اكتمل في الشهر الماضي.

الحياة بعد الحياة

يقوم أصدقاء ريما بتأليف كتاب عن قصِّة كفاحها، ويكتبون فيه عنها وكيف أثرت فيهم. كما أنشد لها المنشد ماجد الزبيدي مرثيَّة (أريما رحلتِ؟) موجودة على الـ«يوتيوب». وحالياً يقوم نعمان سونا بإخراج فيلم وثائقي يظهر الفعل والتأثير الإيجابي الكبير الذي صنعته ريما ـ يرحمها الله ـ فيمن حولها، من المقرر إطلاقه بعد الانتهاء منه على موقع (فيمو)، كما تحدث الداعية مصطفى حسني في جزء من حلقات برنامج على قناة اقرأ (عمار الأرض) عن قصة ريما نواوي ودرس في مواجهة الإحباط. ولا يزال الأصدقاء والغرباء يذكرون ريما، فتارة يكتبون لها على صفحتها في «تويتر»، وتارة يدعون لها بالرحمة والمغفرة على فيديوهاتها على الـ«يوتيوب». «بعض الناس يموتون اجتماعياً قبل أن يموتوا جسديا» يقول وائل يار «بينما ريما ـ رحمها الله ـ صار الناس يتفاعلون مع قصتها أكثر بعد وفاتها».

محمد.. ضابط برتبة اختصاصي علاج

تحدثنا مع الملازم محمد الشريف، الذي كان ضابطاً بقوات الدفاع الجوي السعودي برتبة ملازم، حيث تعرض لحادث سير خلال إحدى سفرياته من أبها إلى مكَّة، فتسبب له الحادث بعدة إصابات في الوجه والأقدام وإصابة بالعمود الفقري أجلسته على الكرسي المتحرك. أدرك محمد أنَّ حياته تغيرت ومرَّ بسنوات من الاكتئاب والشعور بالألم لما سوف يخسره في حياته، لكن دعم أسرته النفسي له ساعده على تخطي المرحلة بعد فضل الله. يقول محمد: «لم أكن أعلم وقتها هل كان التغيير في حياتي للأفضل أم للأسوأ، لكن فضل الله عليَّ أنقذني واختار لي الخير، فقد أصبحت حياتي خيراً من ما كانت عليه قبل الإصابة». أصبح الملازم محمد اليوم اختصاصي علاج بالترفيه ومدرب مهارات استخدام الكرسي المتحرك بمدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانيَّة، حيث يقدم نموذجاً مختلفاً للعلاج بالترفيه ومهارات استخدام الكرسي عبر ورشة ودورات في العديد من المراكز المهتمة بذوي الإعاقة.

ساعدتني على إيصال صوتي

بالنسبة للملازم محمد الشريف فإنَّ إصابته كانت قبل ازدهار وسائل التواصل الاجتماعي. وانتصاره على الإعاقة وتغيير حياته كان بشكل أساسي معتمداً على وجود من يقف إلى جانبه، وملاحظته لهمِّه وطموح من سبقوه بالإصابة على حدِّ تعبيره. لكنه يقوم حالياً باستخدام هذه الوسائل في دعم غيره ممن يحتاج لخلاصة تجربته، حيث يقوم  بإيصال صوته ورسالته ومساعدة من يحتاج. يقول الملازم محمد: «الكثير جداً ينقلون لي مدى إعجابهم بما أقدم، بل إنَّ بعضهم قال بأني أثرت في حياته للأفضل ولله الحمد».

هديل.. باب الجنة

لا يغفل ناشطو ومتابعو وسائل التواصل الاجتماعي اسم هديل الحضيف، فهي من أوائل المدونات السعوديات اللائي نشطن على الشبكات الاجتماعيَّة. هديل هي مدونة وقاصة سعوديَّة ولدت في الرياض وتنقلت في عدة دول خلال حياتها حتى عادت أخيراً إلى مسقط رأسها وبقيت فيه. نشطت هديل عبر كتاباتها في مدونتها (باب الجنة) وشاركت أيضاً بتقديم ورقة عمل عن المدونات السعوديَّة نظمتها جامعة السلطان قابوس في مسقط بالتعاون مع مكتب اليونسكو في الدوحة، كما كانت لها مداخلات مميزة عبر عدد من البرامج التلفزيونيَّة في قنوات عدة حول التدوين وقضاياه المختلفة. أصابت هديل غيبوبة لا يُعرف سببها استمرت خمسة وعشرين يوماً، ثم أصيبت بسكتة دماغيَّة أدّت لوفاتها صباح يوم الجمعة بتاريخ 16 مايو 2008 و صُليَّ عليها في مدينة الرياض.

 

جائزة هديل العالميَّة

أثارت أحداث غيبوبتها وموتها اهتماماً شعبياً بين المدونين والكتاب والصحافيين في السعوديَّة، لا سيما بعد تأخر نقلها إلى مستشفى حكومي بسبب عدم توفر سرير، ما ضاعف من شعبيَّة هديل وشهرتها. تمخض الاهتمام عن إنشاء جائزة هديل العالميَّة للإعلام الجديد في منتصف يوليو من ذات السنة التي توفيت فيها. وهي جائزة عالميَّة في ذكرى هديل، تهدف إلى اكتشاف وتحفيز وإبراز المواهب الإبداعيَّة العربيَّة في مجال الإعلام الجديد وتقوم بالإشراف على الجائزة مؤسسة إعلاميَّة غير ربحيَّة.

من أوائل المدونين

<<هديل الحضيف في مؤتمر عُمان>>


تحدثنا مع د. محمد الحضيف، الأديب والكاتب السعودي، ووالد المدونة هديل - يرحمها الله- وأخبرنا أنَّه كان لوضع هديل في كونها واحدة من أوائل المدونين السعوديين، وأول فتاة سعوديَّة وخليجيَّة، تكتب باسمها الصريح، أثر كبير في ذيوع اسمها. إضافة إلى أنَّ ممارستها للتدوين اتسم بمهنيَّة عالية. تميزت هديل أيضاً بلغة راقية وفخمة قلما توجد عند غيرها من الكتاب، خصوصاً من هم في سنها ـ يرحمها الله.

<<صورة من طفولة هديل>>

يتابع الدكتور محمد فيقول: إنَّ كل هذه الأمور ضمنت لهديل مكاناً عالياً ومتميزاً في عالم التدوين. إضافة لتبنيها قضايا حقوقيَّة كان أشهرها قضيَّة المدون فؤاد الفرحان. لذلك لم يكن مستغرباً أن ينهض العالم الافتراضي كله إثر دخولها في الغيبوبة ويتبنى قضيتها. لقد ألهمت هديل، كما قال الأستاذ نجيب الزامل، جيلا بأكمله من الشباب والشابات السعوديين والخليجيين. ولا شك أنَّ التصعيد في الإنترنت أسهم بشكل رئيس في وضع قضيَّة هديل ـ يرحمها الله ـ واحتياجها لسرير وأوصل قضيتها إلى مستويات رسميَّة عليا.

 

أمجد.. مصاب بالإيدز

عُرف باسم أمجد ونشط على «تويتر» و«يوتيوب»، حيث يعرف نفسه أنَّه شاب سعودي أصيب بمرض نقص المناعة المكتسب بسبب عمليَّة نقل دم ملوث تمت إثر جراحة أجريت له بسبب تعرضه لحادث مروري عام 2002م بحسب تصريحه لصحيفة الوطن. سعى الشاب منذ عام 2008م عبر قناته على الـ«يوتيوب» وبعد ذلك على حسابه في «تويتر» للتوعية بمرض الإيدز، وأنَّه مرض مزمن مثل السكري وضغط الدم يمكن التعايش معه. 

رفض وتهديدات

لم نستطع التواصل شخصياً مع أمجد، حيث اختفى حسابه على «تويتر». عرفنا عندها أنَّه قام أخيراً بالكشف عن هويته الحقيقيَّة مؤكداً رغبته الشديدة بنشر التوعية بالمرض  وكيفيَّة الإصابة به الذي جاء لعدم خجله من إصابته بالمرض، وأنَّ المرضى به لا يصابون دائماً نتيجة سلوكيات أخلاقيَّة غير حميدة، لكن كشفه كانت له عواقب سلبيَّة، حيث تعرَّض الشاب لتهديدات من قبل أسرته بعد أن كشف عن اسمه ووضع صورته الحقيقيَّة في حسابه على «تويتر» ما دفعه للاستنجاد في تغريدة كتبها لمتابعيه قبل نحو 3 أشهر بتبليغ الشرطة حال تعرضه لمكروه واضعاً عنوان منزله.

يرافعون عن أبنائهم

ينشط على الشبكات الاجتماعيَّة آخرون يحملون هموماً وقضايا لهم وأحياناً لأبنائهم. فقد تابع مجتمع «تويتر» التصريحات والتحديثات المستمرة التي نشرها البروفيسور طارق الحبيب عقب الحادث الذي أصاب ابنه عبد الإله في اليوم الوطني، حيث وبفضل الله تماثل عبد الإله للشفاء من إصابة خطيرة بالرأس وعاد للمدرسة واحتفى به زملاؤه وقد صرح والده «نعم سأتنازل عن حق ابني حماية لأبناء وطني مستقبلا إن صدر نظام صارم ضد المستهترين في القيادة».

  <<زملاء عبد الإله طارق الحبيب يزورونه في منزله>>

من ناحية أخرى ومنذ عام 2008م تقوم السيدة حنان، والدة الطفلة ياسمين حمد سفيران، بالمشاركة بالتوعية باضطراب التوحد المُصابة به ياسمين عن طريق مشاركة فيديوهات على قناتها في الـ«يوتيوب». ياسمين الصغيرة غنت أخيراً النشيد الوطني في فيديو قصير عُرض على القنوات الفضائيَّة يُظهر تقدماً في قدرتها على التخاطب والتواصل عما كانت عليه بالنسبة لمن كان يتابع قناتها منذ البداية.

<<ياسمين سفيران تغني النشيد الوطني>> 

بناء الوعي الثقافي في المجتمع

تحدثنا مع الاستشاري النفسي د.علوي عطرجي فأخبرنا أنَّ موضوع التواصل أمرٌ رائع لبناء الوعي الثقافي في المجتمع، حيث يشجع على مشاركة الغير لتكون لديهم وقاية نفسية أو حتى عضويَّة إن كان يمر بنفس التجربة فيعلم مثلا في حالة المرض أنَّ الدواء الفلاني له كذا وكذا من الأعراض الجانبيَّة أو قد لا يناسب المرحلة المرضيَّة التي هو فيها.

بالنسبة للشخص صاحب المشكلة فإنَّ التواصل أمر إيجابي يشعر المريض أنَّه ليس وحيداً، حيث إنَّ الوحدة تزيد المرض. بعض الأشخاص حين يفرغون ما في دواخلهم ويعبرون عن أنفسهم فإنَّ ذلك يشعرهم بالتواصل والنشاط، فجزء كبير من العلاج في التواصل مع الآخرين، فالشخص عندما يتكلم بحريَّة ويجد الدعم فإنَّ ذلك يعطيه دافعاً قوياً لمقاومة المرض وحب الحياة، فالدعم النفسي بعد الله أحد أهم أساب العلاج. بعكس الشخص السلبي المنطوي على ذاته فإنَّ ذلك يزيد من شعوره أنَّ المرض نهاية العالم ما يزيد من الاكتئاب.

وبالنسبة لمن ليس مصاباً بالمرض فإنَّ تفاعله مع المصاب اجتماعياً قد يعطيه الوعي بمسببات المرض أو المشكلة فيبتعد عن تعاطي العقاقير المعينة، فمثلا في حالة فيروس الكبد الوبائي أصبح عند الناس اهتمام باستخدام أدوات الحلاقة الخاصة بهم تفادياً لانتقال المرض، وهذا الأمر جاء نتيجة لحملات التوعية ضد المرض.

يذكر الدكتور علوي أيضاً أنَّه من الواجب توخي الحذر في التعامل مع المعلومات والبحث عن المصادر الموثوقة فليس كل ما ينشر صحيحاً، فيجب الانتباه والتركيز على الاستفادة من الجوانب الإيجابيَّة للشخص أو التجربة والمشاركين.

 

المجتمع يستمتع بهذه النماذج

ورأى المستشار الاجتماعي د. خالد باحاذق، أنَّ التواصل الاجتماعي للمصابين يساهم بشكل إيجابي في المجتمع، حيث إنَّ الناس يستمتعون بوجود هذه النماذج التي تواجه التحديات. فيشعر الأصحاء بأنَّه إن كان المصابون بالمرض أو الاعاقة قادرين على تخطي العقبات ومواجهة الصعوبات فمن باب أولى أن يكونوا هم كذلك. فالإنسان المصاب يحتاج للحصول على الأمل والطموح وليس العلاج المادي فقط. وأحياناً لا يجد الشخص الدعم الاجتماعي الكافي من الأهل والأقارب فيلجأ عبر شبكة الإنترنت للتواصل مع البشريَّة كلها.

بإمكان المصاب تجنباً للانتقادات السلبيَّة من المجتمع التقليدي الذي يخشى الفضيحة أن يقوم بإخفاء معلوماته الشخصيَّة كاسمه وصورته للمحافظة على خصوصيته ويستمر بالمشاركة بصدق والتجاوب مع الآخرين. يقول الدكتور باحاذق إنَّه يجب علينا دعم المصابين بالأمراض بالتعاطف معهم، لكن من دون الشفقة، فالمصاب بحاجة للحديث بحريَّة عن تجربته، والتواصل الاجتماعي يعطيه الفرصة لتحقيق ذاته والتعامل مع حالته.

إفادة الغير وزرع الأمل

وتقول أمل حمود-محررة في صحيفة الاقتصادية- إنَّ فائدة الحديث عن القصص والتجارب في وجهة نظرها تكون في أمرين. أنَّ من يتحدث عن تجاربه ويحكيها قد يستفيد منها غيره، خصوصاً أنَّ هناك أمراضًا مجهولة بدأت تنتشر أخيراً فمن المفيد جداً مشاركة المجتمع التجارب الشخصيَّة حتى يتعلم المتلقي ويزداد وعيه ويصبح طبيب نفسه الأوليّ. الأمر الآخر أنَّها تزرع الأمل حين يحصل الشخص على الدعم وتساعده على التعايش، خصوصاً في حالة الأمراض المزمنة.

التوظيف الإيجابي

بالنسبة لرحاب عباس، رئيسة قسم التحقيقات في جريدة آخر الأنباء المصريَّة، مسألة المشاركة تتمحور حول توظيف التجربة بالشكل الإيجابي. تقول رحاب كلنا لدينا أحزان ومشاكل ولو كان الشخص يشارك تجربته لغرض التشكي وعرض مآسيه فهذا الأمر لدي مرفوض بينما يمكن أن أتحدث أنا مثلا عن تجربتي السيئة بصيغة الماضي بعد أن أكون تخطيتها بحيث أعطي خطوات عمليَّة 1-2-3 حتى يستفيد منها المتلقي بشكل إيجابي.

التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، تكمل رحاب، ويجب دائماً الانتباه إلى مصادر المعلومات، حيث المشكلة تكمن في صعوبة إيجاد ومحاسبة مصدر المعلومات في حال انتشرت معلومات غير صحيحة فيجب أن تسن القوانين واللوائح لتنظيم نشر المعلومات كما هو الحال في الدول المتقدمة.